سورة آل عمران - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}
فيه ثلاث مسائل الأولى: قال ابن عباس: هذه الآية نزلت بسبب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله. فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني على ملة إبراهيم». فقالا: فإن إبراهيم كان يهوديا. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم». فأبيا عليه فنزلت الآية. وذكر النقاش أنها نزلت لان جماعة من اليهود أنكروا نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هلموا إلى التوراة ففيها صفتي» فأبوا. وقرأ الجمهور {لِيَحْكُمَ} وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع {ليحكم} بضم الياء. والقراءة الأولى أحسن، لقوله تعالى: {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ}.
الثانية: في هذه الآية دليل على وجوب ارتفاع المدعو إلى الحاكم لأنه دعي إلى كتاب الله، فإن لم يفعل كان مخالفا يتعين عليه الزجر بالأدب على قدر المخالف والمخالف. وهذا الحكم جار عندنا بالأندلس وبلاد المغرب وليس بالديار المصرية. وهذا الحكم الذي ذكرناه مبين في التنزيل في سورة النور في قوله تعالى: {وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}- إلى قوله: {بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. وأسند الزهري عن الحسن أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم ولا حق له». قال ابن العربي: وهذا حديث باطل. أما قوله: «فهو ظالم» فكلام صحيح. وأما قوله: «فلا حق له» فلا يصح، ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق. قال ابن خويز منداد المالكي: واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يحيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو يعلم عداوة من المدعى والمدعى عليه.
الثالثة: وفيها دليل على أن شرائع من قبلنا شريعة لنا إلا ما علمنا نسخه، وأنه يجب علينا الحكم بشرائع الأنبياء قبلنا، على ما يأتي بيانه. وإنما لا نقرأ التوراة ولا نعمل بما فيها لان من هي في يده غير أمين عليها وقد غيرها وبدلها، ولو علمنا أن شيئا منها لم يتغير ولم يتبدل جاز لنا قراءته. ونحو ذلك روي عن عمر حيث قال لكعب: إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران فاقرأها. وكان عليه السلام عالما بما لم يغير منها فلذلك دعاهم إليها وإلى الحكم بها. وسيأتي بيان هذا في المائدة والاخبار الواردة في ذلك إن شاء الله تعالى. وقد قيل: إن هذه الآية نزلت في ذلك. والله أعلم.


{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24)}
إشارة إلى التولي والاعراض، واغترار منهم في قولهم: {نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} إلى غير ذلك من أقوالهم. وقد مضى الكلام في معنى قولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} في البقرة.


{فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25)}
خطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته على جهة التوقيف والتعجب، أي فكيف يكون حالهم أو كيف يصنعون إذا حشروا يوم القيامة واضمحلت عنهم تلك الزخارف التي ادعوها في الدنيا، وجوزوا بما اكتسبوه من كفرهم واجترائهم وقبيح أعمالهم. واللام في قوله: {لِيَوْمٍ} بمعنى في، قاله الكسائي، وقال البصريون: المعنى لحساب يوم، الطبري: لما يحدث في يوم.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10